معتقلات الصين المخفية

ما الذي جرى لمسلمي الإيغور المختفين في إقليم شينجيانغ؟

تتهم جهات عديدة الصين باحتجاز مئات الألوف من أفراد أقلية الإيغور المسلمة دون محاكمة في إقليم شينجيانغ غربي البلاد.

تنفي الحكومة الصينية هذه الاتهامات، وتقول إن اولئك الإيغور يحضرون طواعية إلى "معاهد مهنية" خاصة تكافح "الإرهاب والتطرف الديني."

ولكن تحقيقا أجرته بي بي سي توصل إلى أدلة جديدة ومهمة عن حقيقة هذا الأمر.

احتجاز في الصحراء

في 12 تموز / يوليو 2015، كان قمر اصطناعي يحلق فوق صحارى ومدن المنطقة الشاسعة التي تشكل أقصى غرب الصين.

وبينت واحدة من الصور التي التقطها القمر الاصطناعي في ذلك اليوم منطقة رملية خالية من البناء ولم تمسسها يد.

لم يبد المنظر وكأنه نقطة البدء المناسبة لإطلاق تحقيق في واحدة من أكثر قضايا حقوق الإنسان إلحاحا في عصرنا.

ولكن، وبعد أقل من ثلاث سنوات، وفي 22 نيسان / أبريل 2018، أظهرت صور فضائية لنفس المنطقة الصحراوية معالم جديدة لم تكن موجودة في الصورة السابقة.

فقد نشأ في المنطقة معسكر مسيّج ضخم من لا شيء في أقل من ثلاث سنوات.

يحيط بالمعسكر سياج خارجي يبلغ طوله كيلومترين يتخله 16 برجا للمراقبة والحراسة.

بدأت أوائل التقارير التي تتحدث عن قيام الصين بادارة سلسلة من معسكرات الاعتقال لمسلمي الإيغور في شينجيانغ بالظهور للعلن في العام الماضي.

واكتشف الصورة الفضائية التي أظهرت المنشآت الجديدة باحثون كانوا يسعون لاكتشاف أدلة على وجودها باستخدام برنامج "غوغل إيرث" الذي يمكن المستخدم من رؤية صور لأي نقطة على كوكب الأرض تقريبا.

وحسب الصور، فإن المنشآت الجديدة تقع قرب مدينة دانباتشينغ الصغيرة التي تبعد عن عاصمة إقليم شينجيانغ، أورومتشي، بمسافة ساعة واحدة بالسيارة.

في محاولة منا لتجنب الاجراءات المشددة التي تتبعها الشرطة الصينية مع كل صحفي زائر، اخترنا رحلة تهبط في مطار أورومتشي فجرا.

ولكن في الوقت الذي وصلنا فيه إلى دابانتشينغ، كانت 5 سيارات تقريبا تتبعنا تستقلها مجموعات من رجال الشرطة بالزي الرسمي والمدني ومسؤولون حكوميون.

اتضح لنا أن خطتنا القاضية بزيارة 12 مما يعتقد أنه معسكرات اعتقال في الأيام القليلة المقبلة لن يكون بالأمر الهين.

ولم يساورنا أي شك، ونحن نتجه إلى المكان بأن الرتل الذي كان يقتفي أثرنا سيحاول إيقافنا.

على بعد عدة مئات من الأمتار من المكان الذي كنا نقصده، استوقفنا منظر لم نكن نتوقع رؤيته.

فالخلاء الذي كان ظاهرا في الصورة الفضائية إلى الشرق من موقع المعسكر لم يعد خلاءً بالمر ة.

بل أخذ مكانه مشروع انشائي جبار لم يكتمل بعد.

منشأة دابانتشينغ كما تبدو من الطريق العام


منشأة دابانتشينغ كما تبدو من الطريق العام

مثل مدينة صغيرة تنمو في رمال الصحراء وتزدحم في سمائها الرافعات، شاهدنا الصف تلو الآخر من المباني الرصاصية اللون كلها ذات طوابق أربعة.

وجهنا عدسات كاميراتنا صوب المشهد في محاولة منا لتصوير حجم المشروع، ولكن قبل أن نواصل سيرنا اعترضتنا واحدة من سيارات الشرطة التي كانت تتبعنا.

أوقفت الشرطة سيارتنا وأمرتنا بالكف عن التصوير وبمغادرة المنطقة.

ولكننا كنا مع ذلك قد اكتشفنا أمرا مهما - كم هائل من النشاط الذي لم يلحظه العالم الخارجي بعد.

ففي المناطق النائية من العالم، لا يحدث برنامج غوغل إيرث صوره إلا بعد أشهر أو حتى سنوات.

هناك مصادر أخرى للصور الفضائية متاحة للعامة - على سبيل المثال قاعدة بيانات "سينتينيل" التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية - تحدث صورها بشكل أسرع من غوغل إيرث، ولكن الصور التي تحتويها ذات وضوح أقل بكثير.

هنا وجدنا ضالتنا.

منشأة دابانتشينغ في نيسان/أبريل 2018 كما بدت في غوغل إيرث
هذه الصورة التي التقطها نظام سينتينيل الأوروبي في تشرين الأول / أكتوبر 2018 تظهر مدى تطور ونمو المنشأة

بينت صورة من قاعدة بيانات سينتينيل الأوروبية التقطت في تشرين الأول / أكتوبر 2018 المدى الذي تطور فيه الموقع وتمدد مقارنة بما كنا نتوقع.

فمعسكر الاحتجاز الكبير الذي كنا نتوقع رؤيته يبدو الآن وكأنه معسكر هائل الحجم.

وليس هذا المعسكر الوحيد من نوعه، إذ بنيت على شاكلته عدة منشآت تنتشر في شتى أرجاء إقليم شينجيانغ المترامي الأطراف في السنوات القليلة الماضية.

قبل أن نتوجه إلى المنشأة التي توجهنا إليها، توقفنا في مركز مدينة دابانتشينغ.

كان من المستحيل التحدث بصراحة إلى أي من السكان، فقد كان مرافقونا الحكوميون يحومون حولنا ويستجوبون بشراسة أي شخص يتحدث الينا حتى أولئك الذين يلقون علينا بالتحية.

هناك عشرات الآلاف (في مدرسة إعادة التثقيف)...لديهم مشكلة في طريقة تفكيرهم

أحد سكان شينجيانغ

بدلا من التحدث إلى الناس في الشارع، قررنا الاتصال هاتفيا بعدد من الأرقام بشكل عشوائي.

ما هي طبيعة هذه المنشأة الكبيرة ذات الأبراج الـ 16 التي تصر السلطات على منعنا من تصويرها؟

قال لنا صاحب أحد الفنادق، "إنها مدرسة إعادة تثقيف."

اتفق معه صاحب متجر مجاور قائلا، "نعم إنها مدرسة إعادة تثقيف."

ومضى للقول، "في المدرسة الآن عشرات الآلاف من الناس. لديهم مشاكل في طريقة تفكيرهم."

ولكن بالطبع لا ينطبق تعريف المدرسة على المنشأة ذات المساحة الهائلة.

في شينجيانغ، اكتسب تعبير "الذهاب إلى المدرسة" معنى جديدا.

"تفهمت أخطائي بشكل عميق"

صورة من تقرير للتلفزيون الحكومي الصيني عن "مدارس" الإيغور

دأبت الصين على نفي قيامها بسجن المسلمين دون محاكمة.

ويستخدم منذ أمد بعيد مبررالتعليم لتلطيف صورة المعسكرات.

وبدأت السلطات الصينية مؤخرا - ردا على الانتقادات الدولية بالتأكيد - بالتركيز على هذا الوصف (التعليم) وأطلقت في سبيل ذلك حملة دعائية كبيرة.

إذ يبث التلفزيون الحكومي تقارير معدة بعناية تظهر صفوفا نظيفة وطلابا ممتنين منهمكين في دروسهم وهم راضون.
ولا يرد في هذه التقارير أي ذكر للأسباب التي اختير بموجبها الطلاب لهذه "الدروس" ولا لطول البرامج الدراسية التي يخضعون لها.

ولكن ثمة أدلة.

فالمقابلات التي ترد في التقارير التلفزيونية أشبه ما تكون بالاعترافات.

يقول أحدهم، "لقد تفهمت أخطائي بعمق"، متعهدا بأن يكون مواطنا مثاليا "عندما أعود إلى بيتي."
قيل لنا إن الغاية الأساسية من وراء بناء هذه المنشآت هي محاربة التطرف من خلال خليط من البرامج الثقيفية منها الفقه القانوني والمهارات العملية وتعلم اللغة الصينية.

تشيرالنقطة الأخيرة إلى أنه مهما شاء المرء تسمية هذه المنشآت - معسكرات أو مدارس - فإن الهدف النهائي منها يبقى واحدا.

فالمنشآت - أو المعسكرات - بنيت للأقليات المسلمة التي تقطن في شينجيانغ حصرا، والتي لا تتحدث الصينية كلغة أم.

وتلمح التقارير المصورة إلى أن "المدرسة" تتقيد بنظام معين للباس - إذ لا تظهر فيه أي محجبة اطلاقا.

يقطن أقليم شينجيانغ نحو عشرة ملايين من المسلمين الإيغور.

ويتكلم هؤلاء بلغة تركستانية، وهم يشبهون بالشكل شعوب آسيا الوسطى أكثر إلى حد ما مما يشبهون الهان الذين يشكلون أغلبية سكان الصين.

يذكرنا كثيرون هنا بأن مدينة كاشغار الواقعة جنوبي شينجيانغ أقرب جغرافيا إلى بغداد مما هي إلى العاصمة الصينية بكين - كما تبدو أقرب ثقافيا إلى العاصمة العراقية في بعض الأحيان.

وإذا أخذنا التاريخ الطويل من العصيان والمقاومة للحكم الصيني بنظر الإعتبار، فإن العلاقة بين الإيغور وحكامهم الصينيين كانت دائما متوترة وفاترة.

قبل مجيء الحكم الشيوعي في الصين، كانت شينجيانغ تتمتع بين الفينة والأخرى بالإستقلال. ومنذ استتباب الحكم للشيوعيين، كان هذا الإقليم يقاوم قبضة الحكومة المركزية عن طريق الاحتجاجات وأعمال العنف التي تندلع بين الحين والآخر.

جذبت الثروة المعدنية التي يتمتع بها إقليم شينجيانغ الذي تبلغ مساحته خمسة أضعاف مساحة ألمانيا - وخصوصا النفط والغاز - استثمارات صينية هائلة إلى الإقليم مما أدى إلى نمو اقتصادي سريع وهجرة واسعة للمستوطنين الهان الصينيين.

وأدى ذلك إلى تململ في صفوف الإيغور بسبب ما يرون أنه توزيع غير عادل لمردود النمو الإقتصادي.

تشير السلطات الصينية في معرض ردها على هذه الانتقادات إلى مستوى المعيشة المتحسن الذي يتمتع به سكان شينجيانغ.

ولكن في العقد الأخير، قتل المئات في أعمال شغب وعنف طائفي وهجمات - ورد الشرطة على هذه الأعمال.

في تشرين الأول \/ أكتوبر 2013، أغلقت قوات الأمن الصينية ميدان تين آن مين عقب هجوم بسيارة مفخخة أودى بحياة شخصين


في تشرين الأول / أكتوبر 2013، أغلقت قوات الأمن الصينية ميدان تين آن مين عقب هجوم بسيارة مفخخة أودى بحياة شخصين

تغيرت الصورة بشكل كبير في عام 2013، عندما فجر ثلاثة إيغور السيارة التي كانوا يستقلونها في ميدان تين آن مين في قلب بكين فقتلوا إثنين من المارة اضافة إلى أنفسهم.

فرغم صغر حجم الهجوم من ناحية الخسائر التي سببها، هز الحادث الدولة الصينية.من أسسها.

مارس \/ آذار 2014: رجال الشرطة يحرسون الشوارع في كونمينغ عقب هجوم بالسكاكين أودى بحياة 31 شخصا


مارس / آذار 2014: رجال الشرطة يحرسون الشوارع في كونمينغ عقب هجوم بالسكاكين أودى بحياة 31 شخصا

وفي السنة التالية، قتل 31 شخصا ذبحا بالسكاكين على أيدي مهاجمين إيغورفي محطة للقطارات في مدينة كونمينغ الصينية التي تبعد عن شينجيانغ بمسافة تزيد على ألفي كيلومتر.

نتيجة لذلك، يتعرض إقليم شينجيانغ على مدى السنوات الأربع الماضية إلى حملة يستخدم فيها بعض من أكثر الاجراءات الأمنية تقييدا وشمولا تمارسها دولة بحق رعاياها.

تشمل هذه الإجراءات استخداما واسع النطاق للتقنيات الحديثة، منها تقنية التعرف على الوجوه واجهزة خاصة ترصد محتويات الهواتف المحمولة وعمليات واسعة النطاق لجمع المعلومات البيولوجية.

كما بدأت السلطات الصينية بإنزال عقوبات مشددة الهدف منها الحد من الهوية والممارسات الإسلامية، فقد حظرت على سبيل المثال إطلاق اللحى ولبس الحجاب والتعليم الديني للأطفال وحتى الأسماء المستقاة من الديانة الإسلامية.

توحي هذه السياسات على ما يبدو إلى حصول تغيير جوهري في نظرة الحكومة الصينية. فالنزعات الإنفصالية لم يعد ينظر إليها على أنها مشكلة تتعلق بعدد قليل من الأشخاص، بل مشكلة بنيوية تتعلق بالثقافة الإيغورية والدين الإسلامي بشكل عام.

تزامن تبني هذه السياسات مع تعزيز قبضة الرئيس شي جينبينغ على المجتمع الصيني، وتركيزه على أن ولاءات الفرد لأسرته أو دينه يجب أن تأتي في المرتبة الثانية للولاء الحقيقي - الولاء للحزب الشيوعي.

ولذا فإن الهوية المميزة للإيغور وضعتهم في دائرة الشبهات.

ومما عزز هذه الشبهات وعمقها التقارير الموثوق بها والقائلة إن المئات من الإيغور توجهوا إلى سوريا للمشاركة في القتال هناك في صفوف الجماعات المسلحة المختلفة.

يتعرض الإيغور الآن إلى التفتيش والتحقيق على الهوية عند الآلاف من نقاط التفتيش والحواجز، بينما لا يتعرض الهان لذلك أبدا.

نقطة تفتيش في كاشغار، آذار \/ مارس 2017


نقطة تفتيش في كاشغار، آذار / مارس 2017

ويواجه الإيغور قيودا مشددة على السفر والتنقل، إن كان ذلك داخل إقليم شينجيانغ أو خارجه. وأصدرت الحكومة بيانا أجبرت فيه السكان على تسليم جوازات سفرهم إلى الشرطة "لتأمينها والمحافظة عليها."

ويمنع الموظفون الحكوميون من الإيغور من ممارسة الطقوس الإسلامية والصلاة في الجوامع والصيام في شهر رمضان.

العلم الصيني يرفرف فوق مسجد مغلق في مدينة كاشغار في إقليم شينجيانغ

إذا أخذنا كل هذا بنظر الإعتبار، ربما لا ينبغي أن نفاجأ بانتهاج السلطات الصينية اسلوبا أكثر قدما وفظاظة في التعامل مع ما تراه على أنه عدم ولاء العديد من مواطنيها من الإيغور.

ورغم نفي الحكومة الصينية المستمر، فإن مصدر أكثر الأدلة وثوقا على وجود معسكرات للاعتقال في شينجيانغ هي السلطات ذاتها.

فقد عثر الأكاديمي الألماني أدريان سينتس في الانترنت على عدة صفحات من وثائق مناقصات تدعو من خلالها الحكومة المحلية في شينجيانغ المقاولين للتقدم بعطاءاتهم لتنفيذ مشاريع تشييد المعسكرات.

وتحتوي هذه الوثائق على تفاصيل عن انشاء أو تحوير العشرات من المنشآت في أرجاء شينجيانغ.

وفي العديد من الحالات، تدعو المناقصات إلى تركيب معدات أمنية متخصصة كأبراج المراقبة والأسلاك الشائكة وأنظمة المراقبة وغرف الحرس.

وعندما قام تسينتس بالتوفيق بين هذه الوثائق ومصادر اعلامية أخرى، توصل إلى نتيجة مفادها أن مئات الآلاف - وربما مليون - من الإيغور وغيرهم من أفراد الأقليات المسلمة قد يكونون احتجزوا من أجل إعادة تثقيفهم.

بالطبع، لا تشير الوثائق إلى المنشآت على أنها معسكرات اعتقال أبدا، بل تصفها بأنها مراكز تعليمية أو، في ترجمة أكثر دقة، "مراكز إعادة تثقيف."

وتتعلق واحدة من هذه الوثائق دون أي شك بالمنشأة الضخمة التي زرناها، إذ تدعو المناقصة التي احتوتها - والمؤرخة في تموز / يوليو 2017 - إلى تركيب نظام تدفئة في "مدرسة للتحويل من خلال التعليم" تقع في منطقة دابانتشينغ.

هذه الألفاظ، والقياسات والكميات المتواضعة التي تتحدث عنها، تخفي وجود برنامج سريع الإتساع لتشييد معسكرات للاعتقال الجماعي.

"يهدفون إلى طمس الهوية الإيغورية"

في عام 2002، سافرت ريلا أبولايتي من شينجيانغ إلى بريطانيا لغرض الدراسة.

وفي بريطانيا، تعرفت على رجل بريطاني وتزوجته، وحصلت على الجنسية البريطانية وبدأت في تكوين أسرة.

في العام الماضي، قدمت والدتها لزيارتها كما اعتادت على ذلك كل صيف لقضاء وقت مع ابنتها وحفيدها ولزيارة بعض معالم مدينة لندن.

والدة ريلا، شياموشينوير بيدا البالغة من العمر 66 عاما، مثقفة ومهندسة سابقة لها سجل طويل في العمل في احدى الشركات التابعة للدولة الصينية.

 شياموشينوير بيدا

 شياموشينوير بيدا

وبعد انتهاء زيارتها، عادت شياموشينوير بيدا إلى شينجيانغ في الثاني من حزيران / يونيو.

وعندما لم تتصل بابنتها بعد عودتها، اتصلت ريلا هاتفيا للاطمئنان عليها والتأكد من وصولها إلى منزلها سالمة.

كانت تلك مكالمة قصيرة ومثيرة للهلع.

قالت ريلا، "أخبرتني بأن الشرطة تفتش المنزل."

.ويبدو أن ريلا هي التي كانت هدف التحقيق

قالت والدتها إنه كان عليها إرسال نسخ من وثائقها، ومنها وثائق تبين عنوانها في بريطانيا ونسخة من جواز سفرها البريطاني وأرقام هواتفها في بريطانيا ومعلومات عن دراستها الجامعية.

ريلا أبولايتي

ريلا أبولايتي

وبعد أن قالت الأم لابنتها أن ترسل هذه الوثائق عن طريق احدى خدمات الدردشة الهاتفية الصينية، أخبرتها بأمر أثار الرعب في قلبها.

إذ قالت شياموشينوير لإبنتها، "لا تتصلي بي ثانية, لا تتصلي بي أبدا."

وكانت تلك المرة الأخيرة التي سمعت فيه الإبنة صوت والدتها.

وتعتقد ريلا أن والدتها نزيلة أحد المعسكرات منذ ذلك الحين.

تقول ريلا، "اعتقلت أمي بلا مبرر. حسب علمي، تريد الحكومة الصينية محو الهوية الإيغورية من على وجه الأرض."

أجرت بي بي سي مقابلات مطولة مع 8 من الإيغور المقيمين في الخارج.

كانت الشهادات التي أدلوا بها متشابهة إلى حد بعيد، وزودتنا بأدلة عن الظروف السائدة في المعسكرات والسياقات المتبعة فيها اضافة إلى الأسس العريضة التي يجتحز بموجبها الناس.

فمن الأمور التي قد تؤدي بالإيغوري إلى أن يودع في أحد المعسكرات ممارسة الطقوس الدينية العادية وأي تعبير ولو كان ضعيفا عن المعارضة وأي علاقة قد تربطه بإيغوري مقيم في الخارج.

أبليت تورسون توهتي

أبليت تورسون توهتي

كان حرس السجن يوقظون أبليت تورسون توهتي، ورفاقه في السجن، ساعة واحدة قبل بزوغ الفجر يوميا. وكان عليهم أن يكونوا في ساحة التمارين في غضون دقيقة واحدة.
وبعد وقوفهم في صفوف متسقة، يجبرون على الركض.

يقول أبليت، "كانت هناك حجرة خاصة يعاقب فيها اولئك الذين لا يركضون بالسرعة المطلوبة. وكان في الحجرة رجلان، احدهما يضرب بحزام والآخر يركل برجله."

تظهر ساحة التمارين بوضوح في الصورة الفضائية للمعسكر الذي يقول أبليت إنه كان أحد نزلائه، والواقع في بلدة هوتان جنوبي شينجيانغ.

يقول أبليت، "كنا ننشد نشيدا عنوانه لا يمكن أن تكون هناك صين جديدة دون الحزب الشيوعي."

"كما لقنونا القوانين، وإذا أخفق أحدنا في ترديد هذه القوانين بشكل صحيح يشبعوه ضربا."

صورة فضائية التقطت في عام 2018 تظهر المعسكر في هوتان الذي يقول أبليت إنه اعتقل فيه


صورة فضائية التقطت في عام 2018 تظهر المعسكر في هوتان الذي يقول أبليت إنه اعتقل فيه

قضى أبليت شهرا في ذلك المعسكر في أواخر عام 2015، ولذا يعتبر، من بعض الأوجه، أوفر حظا من سواه.

ففي الأيام الأولى لمعسكرات الإعتقال، كانت برامج اعادة التثقيف أقصر مما هي عليه اليوم.

ففي السنتين الماضيتين، وردت تقارير قليلة جدا تتحدث عن اطلاق سراح أي معتقل.

لم يعد لأي شخص وجود خارج المعسكرات "

أبليت تورسون توهتي، مغترب إيغوري

وبفضل سحب جوازات سفر الإيغور من قبل الشرطة في شينجيانغ، كان أبليت واحدا من آخر الإيغور الذين تمكنوا من مغادرة الصين.

توجه أبليت إلى تركيا سعيا للجوء، إذ تستضيف تركيا جالية إيغورية كبيرة نتيجة الوشائج الثقافية واللغوية القوية التي تربطها بشينجيانغ.

قال لي أبليت إن والده البالغ من العمر 74 عاما و8 من أخوته ما زالوا يقبعون في المعسكرات، مضيفا، "لم يعد أحد خارج المعسكرات."

أما عبدالسلام محمد البالغ من العمر 41 عاما فهو الآخر يقيم في تركيا.

وكانت الشرطة ألقت عليه القبض في شينجيانغ في عام 2014 لقيامه بترديد آية قرآنية في احدى الجنائز.

ولكن الشرطة قررت عدم توجيه أي تهمة إليه، حسب قوله، ولكنه لم يكن حرا مع ذلك.

عبدالسلام محمد


عبدالسلام محمد

يقول، "أخبروني (الشرطة) بأني بحاجة إلى تثقيف."

وأكد عبدالسلام أن المنشأة التي أودع فيها لم تشبه أي مدرسة.

وبامكاننا من خلال الصورة الفضائية أن نرى ابراج الحراسة والجدار المزدوج الذي يحيط بمركز هانايريكي للتعليم القانوني.

يمكن التعرف على الأسلاك الشائكة المحيطة "بالمركز" من خلال الظلال التي تلقيها على الأرض أشعة الشمس الصحراوية الحارقة.

ووصف عبدالسلام نفس نظام التمرين والإساءة وغسل المخ الذي ذكره آخرون.

صورة فضائية للمنشأة التي يقول عبدالسلام إنه اعتقل فيها في هوتان


صورة فضائية للمنشأة التي يقول عبدالسلام إنه اعتقل فيها في هوتان

يبلغ علي - وهذا ليس اسمه الحقيقي - من العمر 25 عاما. ويمنع الخوف عليا من التحدث إلينا بصراحة.

قال إنه أودع أحد المعسكرات في عام 2015 بعد أن عثرت الشرطة على صورة لامرأة ترتدي النقاب في هاتفه المحمول.

"كانت معي في المعتقل امرأة مسنة اعتقلت لأدائها فريضة الحج، كما كان معي رجل مسن ذنبه الوحيد أنه لم يدفع فاتورة الماء في الوقت المحدد."

يرفض علي الكشف عن هويته الحقيقية


يرفض علي الكشف عن هويته الحقيقية

أثناء احدى فترات التمرين الإجبارية، فتحت أبواب المعتقل لبرهة للسماح لسيارة أحد المسؤولين بالدخول.

قال علي، "فجأة، ركض طفل صغير إلى داخل المعتقل وتوجه نحو والدته التي كانت تركض معنا."

"توجهت الأم نحو طفلها واحتضنته ثم أجهشت بالبكاء."

"فما كان من أحد رجال الشرطة إلا أن جر الأم من شعرها وسحل الطفل الصغير إلى خارج المعسكر."

وسرعان ما تبلور صورة للمعسكرات مغايرة تماما للصورة المثالية التي يحاول رسمها التلفزيون الحكومي.

يقول أبليت، "كانوا يقفلون أبواب عنابرنا في الليل، ولكن لم تكن في هذه العنابر أي مراحيض. كانوا يعطوننا إناء نقضي به حاجتنا."

لا توجد أي طريقة لتأكيد هذه الروايات من مصادر مستقلة.

طلبنا من الحكومة الصينية أن تعلق على الادعاءات، ولكننا لم نستلم منها أي جواب.

بالنسبة للإيغور المقيمين خارج شينجيانغ، نضبت الأخبار الواردة من الداخل بشكل شبه كلي.

فالخوف يولد الصمت.

وأصبح من المألوف سماع تقارير تتحدث عن طرد أناس من موقع الدردشة العائلية أو نهيهم عن الاتصال هاتفيا.

ويجري تدمير ممنهج لاثنين من الركائز الأساسية للحضارة الإيغورية - المعتقدات والروابط الأسرية.

ثمة تقارير تتحدث عن وضع الكثير من الأطفال في دور الأيتام التابعة للدولة، بعد أن أسرهم بأسرها.

وصلت بلقيس حبيب الله إلى تركيا في عام 2016 مع خمسة من أطفالها.

بلقيس حبيب الله

بلقيس حبيب الله

فقد بقيت صغرى بناتها سكينة حسن، التي تبلغ الآن من العمر ثلاث سنوات ونصفا، في شينجيانغ مع زوج بلقيس.

فلم يكن لسكينة جواز سفر، وكانت العائلة تخطط لكي يلتم شملها في اسطنبول حالما تحصل الصغيرة على الجواز.

ولكن سكينة لم تمنح جواز سفر أبدا.

سكينة، ابنة بلقيس التي لم ترها منذ أكثر من سنتين


سكينة، ابنة بلقيس التي لم ترها منذ أكثر من سنتين

تعتقد بلقيس أن زوجها وضع رهن الاعتقال في العشرين من آذار / مارس من العام الماضي.

ومنذ ذلك التاريخ، فقدت أي اتصال بباقي أقاربها، ولا تعلم أي شيء عن مصير ابنتها سكينة.

تقول، "منتصف الليل، عندما يخلد أطفالي إلى النوم، أبكي كثيرا."

"فقمة البؤس أن تجهل مكان وجود ابنتك، وإذا كانت مازالت على قيد الحياة."

"إذا كانت تتمكن من سماعي الآن، فلن أقول لها سوى إني آسفة."

المنظر من الأعلى

صورة فضائية لمنشأة في هوتان جرى توضيح معالمها بواسطة GMV

كان بالإمكان القاء الضوء على سر شينجيانغ المظلم باستخدام المعلومات المتاحة للعامة التي توفرها الأقمار الإصطناعية.

فشركة GMV شركة متعددة الجنسيات متخصصة بالفضاء والطيران ذات خبرة في رصد البنى التحتية من الفضاء لصالح منظمات متعددة كوكالة الفضاء الأوروبية والمفوضية الأوربية.

دقق محللو الشركة قائمة تتضمن 101 منشأة تقع في عموم إقليم شينجيانغ جرى اعدادها اعتمادا على تقارير اعلامية متعددة وبحوث أكاديمية حول منظومة معسكرات اعادة التأهيل والتثقيف في الإقليم.

وقام هؤلاء المحللون بدراسة وقياس نمو المنشآت الجديدة وتوسع المنشآت الموجودة واحدة واحدة.

تعرف المحللون على خصائص تشترك فيها المنشآت المختلفة كأبراج المراقبة والسياجات الأمنية وغيرها من الأمور الضرورية لمراقبة حركة الأشخاص والسيطرة عليها، وقارنوا فيما بينها.

وصنفوا احتمالية أن يكون كل من هذه المنشآت يستخدم لأغراض أمنية، وقرروا أن 44 منها يحتمل أو يحتمل جدا أن تكون كذلك.

ثم قاموا برصد هذه المنشآت الـ 44 بواسطة الأقمار الإصطناعية على فترات.

وبينت الصور الفضائية حجم الأعمال الإنشائية التي جرت في المعسكر الذي احتجز فيه عبدالسلام محمد.

موقع هانايريكي

لا تستطيع شركة GMV الجزم بالغرض الذي تستخدم فيه هذه المنشآت، ولكنه من الواضح بأن الصين تقوم ببناء الكثير من المنشآت الأمنية بوتيرة متسارعة بشكل ملحوظ.

ومن المرجح أن تكون الصورة التي رسمتها الشركة أصغر من الصورة الحقيقية.

ولكن هذه الدراسات خلصت إلى نتيجة مهمة، وهي أن التوجه الحالي هو نحو بناء منِشآت أكبر مساحة.

فقد انخفض عدد مشاريع البناء الجديدة إذا قورن بعام 2017.

ولكن، وفيما يتعلق بالمساحة الكلية للمنشآت التي يتم تشييدها، فهذه المساحة أكبر هذه السنة مقارنة بسابقتها.

تشير تقديرات GMV إلى أن مساحة المنشآت الأمنية المقامة في شينجيانغ توسعت بمقدار 440 هكتارا منذ عام 2003، وذلك اعتمادا على النمو الذي تمكنت الشركة من رصده في المنشآت الـ 44.

ويشير هذا القياس إلى كامل المواقع ضمن السياجات الأمنية الخارجية، وليس إلى المباني فقط.

ولكن 440 هكتارا تمثل الكثير من المساحة الإضافية.

وللتدليل على ذلك، فإن موقعا مساحته 14 هكتارا في مدينة لوس أنجليس - والذي يحوي منشأة "توين تاورز" الإصلاحية وسجن الرجال المركزي - يمكنه استيعاب 7 آلاف سجين تقريبا.

منشأة "توين تاورز" الإصلاحية في لوس أنجليس


منشأة "توين تاورز" الإصلاحية في لوس أنجليس

أطلعنا فريقا ذا باع طويل في تصميم السجون يعمل في مكتب غايمر بيلي المعماري الاسترالي على احدى النتائج التي خلصت اليها GMV بخصوص توسع المباني في منشأة دابانتشينغ.

قدر الفريق - استنادا إلى قياسات الصور الفضائية - بأن هذه المنشأة يمكن أن تستوعب 11 ألف سجين على الأقل.

وحتى هذا التقدير الأدنى يجعل منشأة دابانتشينغ في مصاف أكبر سجون العالم.

فسجن رايكرز آيلاند في نيويورك - وهو أكبر السجون في الولايات المتحدة - لا يتسع لأكثر من 10 آلاف نزيل.

أما سجن سيلفري الذي يقع مدينة اسطنبول، والذي يعتبر أكبر سجن في أوروبا، فمصمم لاستيعاب 11 ألف سجين.

عرض علينا مكتب غايمر بيلي المعماري الاسترالي التحليل التالي للوظائف التي يمكن أن تقوم بها مباني المنشأة المختلفة.

تقدير مكتب غايمر بيلي المعماري
لاستخدامات منشأة دابانتشينغ

يفترض التقدير الأدنى للمكتب أن النزلاء في دابانتشينغ يحتجزون في غرف منفردة.

أما اذا تم استخدام عنابر، فسترتفع القدرة الاستيعابية لمنشأة دابانتشينغ بشكل ملحوظ، إذ يقول مكتب غايمر بيلي المعماري إنها قد ترتفع إلى حوالي 130 ألف نزيل.

يبدو أن المنشأة صممت على أساس وضع أكبر عدد من الأشخاص في أصغر مساحة ممكنة

رافائيل سبيري - معماريون ومصممون من أجل المسؤولية الاجتماعية

كما أطلعنا المعماري رافائيل سبيري، رئيس منظمة معماريون ومصممون ومخططون من أجل مسؤولية اجتماعية - ومقرها الولايات المتحدة - على الصور الفضائية التي بحوزتنا.

قال لي، "إن هذا سجن هائل الحجم وكئيب حقا."

"يبدو أنه مصمم على أساس وضع أكبر عدد من النزلاء في أصغر مساحة ممكنة وبأرخص كلفة بناء."

وقال، "أعتقد أن 11 الف معتقل هو تقدير متواضع جدا...فمن المعلومات المتوفرة، لا يسعنا معرفة كيفية تصميم داخل المباني أو الأجزاء منها التي تستخدم لايواء السجناء عوضا عن وظائف أخرى. ومع ذلك، فتقديركم بأن القدرة الاستيعابية للعنابر تبلغ 130 ألف نزيل يبدو، مع الأسف، محتملا جدا."

ولايوجد سبيل للتحقق من صواب هذا التحليل بشكل مستقل لتعذر الدخول إلى المنشأة.

سألنا السلطات في إقليم شينجيانغ عن الأغراض التي تستخدم منشأة دابانتشينع فيها، ولكننا لم نستلم أي جواب.

مقـفـل

باب مقفلة لمسجد في مدينة كاشغار

لا تشبه كل معسكرات الاعتقال في شينجيانغ بعضها بأي حال.

فبعض منها لم تبن لتكون معسكرات، بل هي عبارة عن تحويرات أجريت لمبان قائمة أصلا مثل المدارس والمصانع.

وهذه السجون "المحورة" عادة ما تكون أقل مساحة وواقعة على مقربة من مراكز البلدات والمدن.

حاولنا تفقد عدد من هذه المعسكرات الكائنة في منطقة يينينغ الواقعة شمالي شينجيانغ.

فقد كنا اطلعنا على وثائق حكومية تعلن عن مناقصة لانشاء خمسة "مراكز تدريب مهنية" في المنطقة الغرض منها "توطيد الاستقرار."

توقفنا في مركز مدينة يينينغ خارج مجمع من المباني كانت تشغلها في الماضي مدرسة يينينغ المتوسطة الثالثة.

يحيط سياج فولاذي أزرق اللون بالموقع الآن، كما تفرض اجراءات أمن مشددة عند بوابته الرئيسية.

وأنشئ برج مراقبة جديد قرب ملعب المدرسة وبرج آخر قرب ساحة كانت تستخدم للعبة كرة القدم.

ولكن الملعب تغطيه الآن بشكل كامل ستة مبان ذات سقوف حديدية.

وينتظم أقارب النزلاء في صف طويل خارج المنشأة للخضوع للتفتيش قبل السماح لهم بزيارة أقاربهم.

ومرة أخرى، تتبعنا سيارتان أو ثلاثة سيارات أينما نذهب في المدينة.

وعندما حاولنا الترجل لتصوير أحد المعسكرات - وكان محاطا بسياج رمادي اللون - منعنا مسؤولون.

وقالوا لنا، بعد أن وضعوا أيديهم على عدسات كاميراتنا لمنعنا من التصوير، إن هناك تمارين عسكرية مهمة تجرى اليوم وإن علينا مغادرة المكان.

إلا أننا رأينا أما وولديها يقفون بصمت إلى جنب السياج خارج المدرسة السابقة (التي تحولت إلى سجن).

حاول أحد مرافقينا الحكوميين منعهم من الكلام، ولكن مرافقة أخرى نقضت أمره بقولها، دعهم يتكلمون."

سألتهم عمن يريدون زيارته.

وبعد برهة، رد أحد الطفلين بالقول، "أبي."

عندئذ، امتدت الأيادي لتغطي كاميراتنا من جديد.

في مدينة كاشغار، التي كانت يوما قلب الحضارة الإيغورية النابض، يسود صمت غريب الأزقة الضيقة. والكثير من أبواب الدور والمحال مقفلة.

شاهدنا على أحد الأبواب المقفلة اعلانا يلقن الناس كيفية الإجابة عن الأسئلة التي قد توجه اليهم عن المكان الذي ذهب اليه ذووهم.

يأمر الإعلان السكان، "قولوا بأنهم يخضعون للعناية من أجل مصلحة المجتمع وأسرهم."

أما مسجد المدينة الكبير، فصار أشبه بمتحف أكثر منه دار عبادة.
حاولنا الاستدلال عن موعد الصلاة القادمة، ولكن لم يتمكن أحد من إخبارنا.

وقال لنا أحد المسؤولين، "لا أتعامل إلا مع السائحين، ولا أعرف شيئا عن مواقيت الصلاة."

في الساحة المقابلة للمسجد، جلس عدد من الكهول حليقي الذقون يتبادلون أطراف الحديث.

سألناهم أين ذهب المصلون.

أومأ واحد منهم إلى فمه وأغلق شفتيه في اشارة إلى مخاطر التحدث إلى صحفيين.
ولكن كهلا آخر همس قائلا، "لم يعد أحد يأتي."

رجل شرطة ينظف درجات مسجد كاشغار

رجل شرطة ينظف درجات مسجد كاشغار

على مسافة منا، كان رجل شرطة منهمكا في تنظيف الدرجات المؤدية إلى المسجد.

كانت أصوات المكنسة التي كان يستخدمها تسمع بوضوح في أرجاء الساحة.

وكان السائحون الصينيون يلتقطون الصور.

نترك كاشغار خلف ظهورنا وننطلق إلى جنوب الغرب باتجاه منطقة تزخر بالقرى والمزارع الإيغورية - وعدد كبير مما يعتقد أنها معسكرات اعتقال.

تتبعنا كالعادة سيارات رجال الأمن، ولكن بعد قصير تصادفنا عقبة غير متوقعة.

حيث يبدو أن الطريق أمامنا قد أغلق توا.

قال لنا رجال الشرطة عند الحاجز إن سطح الطريق قد ذاب بفعل حرارة الشمس.

وقالوا إنه "من غير الآمن موصلة المسير."

لاحظنا أن رجال الشرطة يقومون بتوجيه السيارات الأخرى للوقوف في موقف للسيارات تابع لمجمع تجاري، وسمعنا، عبر اجهزتهم اللاسلكية من يأمرهم بابقاء السيارات هناك "لبرهة."

قيل لنا إن الانتظار قد يطول لأربع أو خمس ساعات، وإنه من الخير لنا أن نعود من حيث أتينا.

بحثنا عن طرق بديلة، ولكن كلما نعثر على طريق جديد، يظهر عائق آخر ولو بعذر مختلف.

فأحد الطرق المغلق لاجراء "تمارين عسكرية".

أعتِرض سبيلنا أربع مرات في أربعة طرق مختلفة، وفي نهاية المطاف اعترفنا بالهزيمة.
على بعد كيلومترات قليلة، يقع معسكر ضخم يقال إنه يحوي نحو 10 آلاف نزيل.

منظومة سيطرة

هناك من الإيغور من يتبوءون مناصب مؤثرة في شينجيانغ.

فالعديد من المسؤولين الحكوميين ورجال الشرطة الذين اتبعوا خطانا وأوقفونا كانوا من الإيغور.

وإذا كان هؤلاء يشعرون بأي شكل من الاضطهاد، فلن يستطيعوا البوح بذلك بالتأكيد. ولكن ادعاء البعض بأن نظام السيطرة والتحديد النمطي السائد أشبه ما يكون بنظام للفصل العنصري ليس دقيقا.

فالعديد من الإيغور يشعرون بأن مصلحتهم مرتبطة بالنظام السائد.

وفي حقيقة الأمر، فإن مرادفا أفضل يمكن العثور عليه في تاريخ الصين الشمولي.

فكما في الثورة الثقافية، يقال لمجتمع بأسره إنه يجب تفكيكه من أجل انقاذه.

يقول شهرت ذاكر، وهو إيغوري وثاني أكثر السياسيين في شينجيانغ قوة ونفوذا نظريا على الأقل، إن النصر في المعركة وشيك.

الإيغوري شهرت ذاكر أمين عام إقليم شينجيانغ


الإيغوري شهرت ذاكر أمين عام إقليم شينجيانغ

نقل الإعلام الصيني الرسمي عن ذاكر قوله، "في الأشهر الـ 21 الماضية، لم تقع أي هجمات ارهابية، كما انخفض إلى حد بعيد عدد الجرائم بما فيها تلك التي تستهدف الأمن العام."

وأضاف، "ليست شينجيانغ جميلة فحسب، بل هي آمنة ومستقرة أيضا."

ولكن ما الذي سيحصل عندما يطلق سراح المحتجزين؟

عبر كل المحتجزين السابقين لنا عن استيائهم.

كذلك، لم يسمع العالم بعد من أي شخص احتجز في منشآت كمعسكر دابانتشينغ، المنشأة السرية هائلة الحجم.

يضيف تقريرنا هذا إلى الأدلة التي تشير إلى أن برنامج اعادة التثقيف الجماعي لا يعدو كونه احتجازا بعنوان آخر - فهو عبارة عن احتجاز الآلاف من المسلمين دون تهمة أو محاكمة، بل دون أي اجراء قانوني بالمرة.

أما الصين، فما برحت تعلن عن نجاح البرنامج.

ولكن التاريخ مليء بالسوابق المقلقة حول المآل الذي آلت إليه مشاريع كهذه.

المنفذون
_________________________________________________
المراسل: جون سادوورث
المنتجة: كاثي لونغ
التصوير: غيتي، رويترز، غايمر بيلي للهندسة المعمارية، GMV، زوي بارثلميو
إنتاجللانترنت: بين ميلن
إلمحرر:فينلو رورَر