مصحف وبندقية

لا يمر في طريقك كل يوم وثائقي من تلك الأعمال المتقنة فنياً والفريدة تحريرياً في نفس الوقت. إن كنت تبحث عن عمل من هذا المستوى فقد تجد ضالتك في فيلم جنود إسرائيل العرب الذي أنتجته بي بي سي عربي وأذيع مؤخراً والموجود عبر موقعنا على الانترنت وعلى صفحتنا على يوتيوب.

يضيء الفيلم زاوية لم أكن أعرف عنها إلا القليل: فلسطينيون ممن يسمون أحياناً بعرب إسرائيل أو فلسطينيي ٤٨ يتطوعون للخدمة في صفوف الجيش الإسرائيلي. العدد قليل - لا أصفها بالظاهرة الضخمة، فمن بين كل العرب الذين يشكلون ربع سكان إسرائيل لا يلتحق بالجيش إلا واحد في المائة. لكن الأعداد تتضاعف سنة بعد أخرى. ويشمل الإقبال المسلمين والمسيحيين على حد سواء.

في منتصف الفيلم تقريباً لقطة تختزل الأمر كله، ثنائية المصحف والبندقية ليست جديدة. لكن البندقية هذه المرة إسرائيلية وحاملها مسلم. يقسم الجنود الجدد، بالعبرية، على المصحف - كتابهم المقدس - أنهم سيحمون دولة إسرائيل. أي مفارقة هذه.

خلال التدريب لا يستخدم القادة اليهود نموذج حماس كالمعتاد، بل يستدعون تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية عوضاً عن ذلك. ربما يجدون أنه أخف وطأة على جندي عربي غرّ أن يشعر أنه هنا لقتال داعش - لا أبناء جلدته من الفلسطينيين. وهو ما يجسد في حد ذاته الحساسية البالغة الي تحفّ الأمر كله. فـ"داعش" كتهديد أمني فعلي في إسرائيل يكاد لا يذكر. عدد القابعين في سجون إسرائيلية بتهمة الانضمام لتنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية لا يزيد عن ثلاثة وأربعين شخصاً - رقم هزيل إذا ما قورن ببقية دول المنطقة وأوروبا.

الحوافز كثيرة لينضم العربي إلى الجيش: تتنوع بين المِنَح التعليمية والأراضي والتسهيلات الأمنية. من يلتحق بالجيش من عرب إسرائيل يكون بمثابة من تلقى خاتمَ جودة أمنياً تستمر صلاحيته مدى الحياة. ولا يدرك قيمة ذلك سوى شباب إسرائيل العرب ممن يلاحَقون بالشكوك والهواجس كل يوم وهم يبحثون عن عمل، عن سكن، عن أي طاقة نور في أفق اقتصادي ضيق.

لكن جنود إسرائيل العرب ملاحقون، لا يزالون. هم ملاحقون بالريبة من بعض المستوطنين اليهود، والذين كثيراً ما يُكلف هؤلاء الجنود بحمايتهم. لكنهم ملاحقون حتماً بالريبة وبالتشكيك وبالتخوين من الفلسطينيين. الأصوات الفلسطينية التي طُلب منها التعليق في الفيلم قالت عبارات تتراوح بين: "لا أفهم ما يفعلونه… لا أجد الكلمات لوصفه… هذا فلسطيني مثلي مثله لذلك أتمنى أن يغير موقفه".

هل يحتاج الجيش الإسرائيلي بكل عدته وعتاده لأن ينضم إليه أيضاً بعض العرب؟ يقول الجيش إنه يحاول تعزيز الاندماج بين فئات الشعب وترسيخ مفاهيم الولاء للدولة من خلال تنويع الجنود بين اليهود والدروز والمسيحيين والمسلمين. لربما كان الأمل استيلاد تواصل إيجابي من خلال ضم جنود يتحدثون العربية وينتمون لنفس ثقافة "الطرف الآخر".

لكن أي مساعٍ للـ"تواصل الإيجابي" ولتبييض صفحة الجيش الإسرائيلي تتبخر في ثانية واحدة إثر واقعة كالتي شهدتها مدينة الخليل قبل أشهر عندما أطلق جندي إسرائيلي الرصاص على فلسطينيٍ جريح ومطروح أرضاً، فقتله. تم التحقيق مع الجندي الإسرائيلي بعدها، وكان الفلسطيني الجريح قد هاجم جنوداً إسرائيليين قبيل الواقعة، لكن هيهات أن يغير أي من هذا من الأمر شيئاً من وجهة النظر الفلسطينية. كان إعداماً على رؤوس الأشهاد.

الموضوع جدلي والحوار في حلقتنا هذا الأسبوع من حديث الساعة سيكون بلا شك ساخناً. بإمكانكم المساهمة في توجيه دفة الحديث من خلال الوسم #حديث_الساعةBBC على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة ببي بي سي أو على صفحتي على فيسبوك أو حسابي الخاص على تويتر @n_sallam

موعدنا على الهواء الأربعاء السابعة وخمس دقائق مساءً بتوقيت غرينيتش.