قصة الكاميرا
قصص على الهواء هي مسابقة القصة القصيرة التي تجريها بي بي سي مع مجلة "العربي" التي نختار فيها كل اسبوع قصة ً جديدة وكاتبا جديدا.
القصة الفائزة تنشر هنا في هذه المساحة وعلى صفحات مجلة العربي، كما تقدم المجلة مبلغا رمزيا للفائز قدره مائة دولار امريكي..
شروط القصة بسيطة وهي الالتزام بخمسمائة كلمة كحد اقصى، ويمكنكم أن ترسلوا نسخة إلكترونية من القصة لبي بي سي إكسترا على العنوان التالي: bbcxtra@bbc.co.uk أو او لمجلة العربي. إنها فرصة لنا للاستماع إلى قصص قصيرة مكتوبة بأقلامكم أنتم على الهواء.
القصة الفائزة هذا الأسبوع:
الكاميرا
بقلم عبدالواحد محمد
قامت من نومها مبكرا تتثاءب يساورها شعور بالقلق والخوف من المجهول .. وعلي النقيض يساورها الشك في إبداء رأي منصف تجاه قضية ما؛ احيانا يتعلل البعض بالدبلوماسية، بعدم إغضاب الأصدقاء؟ السلطة؟ الليالي الباردة؟ الملعونة الفاتنة؟
ما علينا، تلفظتها في نبرة واهنة. تصفحت جرائد الصباح كعادتها، مع رشفات فنجان القهوة السادة، لزوم الرجيم القاسي ..
خبر بالبنط عريض :الوطن ينعي خيرة الرجال .. الأباء؟ الحكماء؟ وصورته تتصدر الصفحة الأولي بوجهه البشوش !
تساءلت بريبة من يكون؟دققت النظر أكثر، اعرفه .. ثم اردفت ثانية اعرفه .. حالة استثنائية في تاريخنا الإنساني؟ فكل مسؤول سابق يرحل لا ينعي.. إلا بخبر منزو، اسفل الصفحة الأولي علي اكثر تقدير .. مهما كانت انجازاته .. عطاءه .معدنه ..! علي التو ..
اسرعت تستبدل ملابسها بملابس اكثر وقارا .. عباءة عربية تتناسب مع خبر الرحيل لرجل من خيرة الرجال. بكاؤها يسطر فاصلاً من فصول رحلة زمن.
امسكت بالريموت كنتروللتضغط بأصبع السبابة علي المشاكس السحري لحدوتة الزمان.. ..تنقب عن الأحداث بحرقة عاشق كف بصره ..
أتتها علي الفور اخبار الفضائيات من هنا وهناكتنقل كل كبيرة وصغيرة
عن تاريخ الرجل. الساعات الأخيرة في حياته، محطاته، وجزء لايبين الرؤية من تفاصيل مؤامرة كبري..ملعوبة بغباء
لا ذكاء
أندال هم أندال
أعرفهم بالاسم الواحد .
آه
آه
اودت بحياته خسة.
أشعلت سيجارتها من فوهة ولاعتها الذهبيةوسحبت نفسا عميقا ثم طردته في فضاء غرفتها، كأنها تسترجع زمنا كان فيه الأب والأم والقدوة والإنسان ...
بلا دعاية زائفة ..
توقفت ثانية عند احدي المحطات الأخري، المحايدةشد انتباهها فيلم تسجيلي عن حياة رجل غير عادي. ثاقب النظر، ذي كبرياء، وسيم المحيا، يحمل القاسم الاكبر من وجههالتواضع والفطنةوالشموخ وعزة الأوطان.
غرقت في دموعها دون ارادة منها فتحولت وجنتاها إلي حديقة مطر، فلكم تمنت لو أن العمر امهله لتجري معه مقابلة صحفية؛ فهو فارسها وحلمها الآبي، فهي محررة في صحيفة الزمن. ليس لشهرة او سبق صحفي بل كان سيمنحها للتاريخ رسالة صادقة، حقائق لايعرفها غيره.
آه فقدناه
مازال يخاطبها من وراء الكاميراوهي تشعل سيجارة ثالثة !
تمتمت .. أنه معجزة في زمن لا يتكرر كثيرا والفيلم التسجيلي يقرب لها معدن الرجل، سيرته الذاتية، الساعات الآخيرة، وصفة دواء لكل طريق خطت فيها قدمه، صفحات مشرقة من تاريخ أمة ..
لم يتخف وراء اقنعة من الوهم، كان حاضرا رغم بعده عن المناصب الرسمية أكثر من عقد. نعم كان معبودنا امير نهضتنا، ثقافتنا، حلمنا الذي كف عن الصياح؛
لا.. لم يكف يا أندال. لم يرحل يا ذئاب العالم.
آه، ومن القائل يوما أنه سكن برجا عاجيا؟ تبرأ من حبيبته، تنسم هواء غير هوائنا؟
خطت بقدميها نحو مكتبها للتأكد من صورته، فمنذ أن كانت طالبة في الجامعة تحتفظ بها في طي كتابها الفضل ...
الكاميرا ..
مرت عقود وهو إنسان لم يتغير. انهمرت دموعها كشجر البرتقال واحتضنت صورته الأبوية جدا وعيناها تبحثان عن مغتاليهوسط كم البشر الذين لايعرفون غير حمامات الدم وطنا لهم. لتكتب بسطور أناملهاتاريخ رجل لم يرحل، ولن يرحل؛ فمازال يقرأ معنا حقيقة اسفارنا إلي المجهول، يتآلم لحال فقرائنا لاوجاعنا لحلمنا الكبير الذي تضاءل علي أرصفة المتسكعين.
آه .. آه لماذا لاتأخذهم شوطة، نيران العدالة للذين ذاقوها له، ولنا.
جبناء ..
والله العظيم جبناء ..
ظلت تصرخ في أعماقها. تري الذئاب وهم يوارونه الثري.
الرجل الذهبي، تلعنهم، تسبهم؛ فهي امرأة لا تعرف غير مفرد وجمع والأغرب من يكونوا؟
دونت الحكاية ورسمت ملامح كل منهم وهي تتوعدهم يوماً قريباً ..
لن تفلتوا من العقاب. كله سلف ودين.
اشعلت سيجارة عشرينية وهي تكتب سطور الرجل الأخيرة ..
سوف تعود.
أحتضنت كتابها المضل الكاميرا وهي تبكي كشجرة برتقال ندية قائلة: لن ترحموا فأنتم شياطين عالمنا.
الكاميرا ..
تخرج من درب إلي درب ويدها تشعل العلبة الثانية بأكملها وهي تلملم المفرد والجمع في بلاتوه غرفتها التي كساها الضباب ولم تعد تعد تفكر في يومها، بل ولا في أيام قادمة؛ بل عقود حبلي بمولود استثنائي.