كيف كسرت الأميرة ديانا القواعد؟
- ليندساي بيكر
- صحفية
طالما خطفت حياة الأميرة الراحلة ديانا، أميرة ويلز، أنظار العالم، وحازت على اهتمام الجميع بأزياءها وأخبارها، بداية من "ديانا الخجولة"، كما لقبتها الصحف في البداية، التي تفضل الثياب ذات الألوان الخافتة والأكمام المنتفخة، وصولا إلى النجمة ذات الشهرة العالمية في عالم الموضة، التي تألقت في أزياء أنيقة آخاذة.
ورغم مرور عقدين على رحيلها، فإن الأميرة ديانا لا تزال مصدر إلهام لمصممي الأزياء، إلى درجة أن إطلالتها البسيطة في بداية ظهورها، التي لم تلاق اهتماما في دوائر الموضة آنذاك، أصبحت مثالا للأناقة في عام 2017.
ويكشف معرض "ديانا: قصة أزيائها"، الذي يقام في الفترة من فبراير/ شباط 2017 إلى 2018 في قصر كنسنغتون تزامنا مع مرور 20 عاما على ذكرى وفاتها المأساوية، عن تطور أزياء الأميرة ديانا، ملقيا الضوء على شخصية ديانا العنيدة والمستقلة، التي طالما وصفت بأنها ضحية، وكيف ناصرت بنشاط القضايا التي اختارتها بنفسها وسعت لتحقيق أهدافها الشخصية.
وتبرز مجموعة الملابس المعروضة قدرة ديانا على الابتكار في نقل الرسائل البصرية، ودأبها على مخالفة الأعراف، وبراعتها في اختيار أزياء تسرد كل مرحلة من مراحل حياتها.
وبعد الأيام الأولى من دخولها القصر، التي تميزت فيها ديانا بالبساطة ونقاء السريرة، وتعرضت لبعض المواقف منها تسليط أحد المصورين الضوء على تنورتها شبه الشفافة من الخلف ليكشف عن ساقيها، سرعان ما تعلمت ديانا قواعد اللبس عند الظهور أمام العامة، ولكنها تعلمت أيضا كيف تتحايل عليها وتكسرها.
وقد انتشرت في الأونة الأخيرة الأقمشة المزينة بالأزهار والياقات المموجة والسراويل الجينز ذات الخصر المرتفع، والقمصان الكلاسيكية المزدانة بربطة عنق، التي ظهرت بها الأميرة ديانا وجذبت إليها الأنظار، وباتت أحدث اتجاهات الموضة. وفي مجموعته الأخيرة، استوحى متجر "أسوس" للأزياء عبر الانترنت، تصميماته من أزياء الأميرة ديانا، تخليدا لذكراها، كما أدخل الكثير من المصممين، مثل جيه دبليو أندرسون، بعض اللمسات التي اشتهرت بها الأميرة ديانا في تصميماتهم، مثل الأكمام المنتفخة التي راجت في الأونة الأخيرة.
ولكن لماذا لاقت إطلالة ديانا الأولى هذا الاستحسان في الوقت الراهن؟ تقول إليري لين، منسقة المعرض: "اتجاهات الموضة تعاود الظهور بين الحين والأخر. وتأثير الأميرة ديانا، كان من القوة بحيث إنها كلما كانت ترتدي شيئا، يسعى الكثيرون إلى تقليدها والتمثل بها، إلى درجة أن التصميم ينسب إليها ويسمى باسمها. فما لبثت أن ارتدت قميصا ورديا من تصميم ديفيد إيمانويل حتى اشتهر باسم "قميص ديانا"، ولا يزال يعرف بهذا الاسم".
يكشف المعرض المقام حاليا في قصر كنسنغتون عن تطور أزياء الأميرة ديانا
بي بي سي إكسترا بودكاست يناقش كل أمور حياتنا اليومية، يأتيكم ثلاثة أيام أسبوعياً
الحلقات
البودكاست نهاية
لا شك أن العائلة الملكية لها تاريخ طويل من الأناقة، وطالما سعى أفراد الطبقة الراقية إلى التشبه بها. فقد اشتهرت الأميرة مارغريت مثلا بأناقتها، وكثيرا ما أبرزت الصحافة أزياءها.
وتقول لين: "أرى أن الفارق بين الأميرة مارغريت والأميرة ديانا أن الأخيرة كانت تخطو نحو العالمية وساعدها في ذلك تطور وسائل الإعلام، والتغطية الإخبارية المستمرة وانتشار الصحافة الصفراء، وبزوغ فجر العصر الرقمي. ولهذا كان تأثير أزياء الأميرة على اتجاهات الموضة أسرع من أي وقت مضى. وسرعان ما تعلمت كيف تسخر صورتها لإيصال رسائلها وتحقيق أهدافها، وأيضا لمساعدتها في تنفيذ مهامها."
وتضيف لين: "من الرائع أن ترى مدى جرأة الأميرة ديانا في اختيارها للأزياء. فقد تعلمت قواعد الأزياء الملكية غير المكتوبة، وكانت تحب أن تكسرها أحيانا، ولو بلمسات طفيفة. إذ كانت أول إمرأة من العائلة الملكية ترتدي سراويل في الحفلات المسائية. وكانت تحب الملابس الرسمية، وتفضل اللون الأسود، رغم أن العائلة الملكية لا ترتدي ملابس سوداء إلا في العزاء".
وفي شهر العسل الذي قضتة في قلعة بالمورال باسكتلندا، ظهرت الأميرة ديانا برفقة الأمير تشارلز بسترة وتنورة من صوف "التويد" من تصميم بيل باشلي، ورغم أنها لم تخالف قواعد اللباس التي تتبعها العائلة الملكية في اختيار القماش في هذا البلد، إلا إنها تحايلت عليها في اختيارها لتصميم السترة. فبدا تصميم السترة غير الرسمية القصيرة أقرب إلى التصاميم الحديثة، وهذا ينم عن الخروج بهدوء عن القواعد الملكية الصارمة المتحفظة.
وتحرص العائلة الملكية، في عهد الملكة إليزابيث، على نقل رسائل دبلوماسية من خلال اختيار الزي. وكانت الأميرة ديانا تعي ذلك، وتعاونت مع مصممين لنقل سياسة القوة الناعمة الملكية، والتي كانت تمثل جزءا من مهمتها. وصممت كاثرين ووكر الكثير من فساتين الأميرة ديانا، ولازمتها لفترة طويلة.
في شهر العسل، التزمت ديانا في ملابسها المصنوعة من قماش "التويد" بالقواعد ذات الصلة بالقماش، إلا أن تصميم سترتها القصيرة يعكس اتجاهات الموضة الحديثة
تجاوز المحظورات
لا أحد ينكر أهمية التقاليد والتاريخ، ولكن الأميرة ديانا ومصممي أزيائها آثروا أن يضيفوا تعديلاتهم ولمساتهم الخاصة، وهذا ساعدهم في الترويج للأزياء البريطانية حول العالم. وفي منتصف الثمانينيات، ظهرت ديانا في حلة أبرزت بهاءها وقوامها الممشوق، من خلال إضافة المزيد من التفاصيل والاكسسوارات وتبطين الكتفين. وخير مثال على تصميمات ديانا ذات الفخامة الآسرة يجسده فستان السهرة الأخضر البراق ذو الأكتاف العريضة من تصميم كاثرين ووكر، والذي ظهرت به ديانا سنة 1986.
تقول لين: "كانت ديانا تستمتع بالتعبير عن شخصيتها من خلال اختيارها لأزيائها، وكان يحلو لها أن تضع لمساتها الخاصة التي تعكس روحها المرحة، مثل اختيار اكسسوارات غير متناسقة أو لافتة للأنظار. يتذكر مصمم الأزياء، ديفيد ساسون، كيف كانت عيناها تومضان عندما تجرب الملابس الجديدة، وتقول "بالتأكيد سيعشق الناس هذا الزي".
ظهرت الأميرة ديانا عام 1989 بفستان جريء وخلاب من ابتكارات كاثرين ووكر سمي "فستان إلفيس"، بسبب ياقة السترة المرفوعة. وصنع هذا الفستان فائق الروعة من قماش الكريب الحريري، وزراده بهاء التطريز بالؤلؤ والخرز اللامع.
كانت إطلالة الأميرة ديانا في منتصف الثمانينات رائعة، وإن بدت مبالغا فيها في بعض الأحيان، وكانت أنسب ما يكون لهذا العصر. وتقول عنها لين: "اشتهرت إطلالة الأميرة ديانا في هذا الوقت باسم "ديانا ذات البهاء الملكي"، وكانت تعكس اتجاه النساء في هذا العصر إلى إبراز قوتهن وثقتهن بأنفسهن من خلال أزياء رسمية يبرهنّ بها على كفاءتهن. ثم بعد ذلك تلاحظ أن ديانا تفارق هذه الصيحات المتغيرة في الموضة لتتخذ لنفسها إطلالة دائمة التألق، تزامنت مع إحساسها بالثقة في قدرتها على اختيار الأزياء التي تناسبها".
ويمثل فستان السهرة المخملي الأزرق، الذي صممه فيكتور إدلشتاين، وحاز شهرة عالمية، مرحلة أخرى بارزة في حياة ديانا. وارتدت ديانا هذا الفستان في حفل عشاء بالبيت الأبيض سنة 1985، حيث رقصت مع نجم هوليود جون ترافولتا، في حركات رشيقة انسيابية على حلبة الرقص، وملأت صورهما معا الصحف وشاشات التلفاز حول العالم. كانت الرقصة رسالة جريئة تتباهى فيها ديانا بروعتها وثقتها بنفسها واستقلاليتها.
"فستان إلفيس" من تصميم كاثرين ووكر، يعكس إطلالة الأميرة ديانا المميزة في منتصف الثمانينات التي اتسمت بالبهاء والجاذبية
وبعد انفصالها عن الأمير تشارلز، وتخليها عن الألقاب الملكية، أصبحت ديانا أكثر حرية في اختيار مصمميها من غير البريطانيين، مثل فيرساتشي الذي صمم لها الثوب الأزرق المنسدل بنعومة المزين بحبات الخرز الذي ظهرت به على غلاف مجلة "هاربر بازار" سنة 1991. وفي هذه المرحلة من حياتها بدت أكثر ثقة ورقة وتركيزا، واستطاعت أن تشكل دورها العام الجديد الذي مكنها من دعم عدد من المنظمات الخيرية والقضايا الإنسانية. وتقول لين إنها أرادت أن تبدو في مظهر بسيط لكي توجه انتباه الصحافة إلى أعمالها بدلا من أزيائها. وتعكس الفساتين والسترات والتنورات البسيطة والسراويل القطنية التي ظهرت بها في هذه المرحلة مدى نشاطها ومهارتها في تأدية دورها.
وفي عام 1997، جمعت الأميرة ديانا 3.4 مليون جنيه استرليني للمؤسسات الخيرية في مجال مرض السرطان وفيروس نقص المناعة البشرية، بعد أن تبرعت ب79 ثوبا من ثيابها الباهظة في دار "كريستيز" للمزادات. ويقول سعيد سيريس، الذي يتولى إدارة شركة كاثرين ووكر، خلفا لزوجته: "إن الإرث الحقيقي الذي خلفته ديانا كان استغلالها لمنصبها لتسهم في إنقاذ حياة الناس".
وتقول لين: "أثرت ديانا في الطريقة التي كان ينظر بها الناس إلى مرضى "الأيدز" والمصابين بفيروس نقص المناعة البشرية. ولم ترتد الأميرة ديانا القفازات إلا في مرات معدودة، منها في مناسبة شهيرة، حيث تعمدت أن تخلع القفاز على الملأ لمصافحة أحد مرضى الايدز، لتكسر المحاذير المرتبطة بهذا المرض. وكانت ديانا تستخدم الزي للتشديد على وجهة نظرها. وفي المناسبات الرسمية، كانت ديانا تختار بعناية الأشخاص الذين ستلتقي بهم وتهتم بنظرة الناس إليها".
(تعليق) أطلقت الأميرة ديانا على الفستان الأزرق المزين بالورود من تصميم دافيد ساسون عام 1988، اسم الفستان "الحنون" لأن الأطفال أحبوه.
تقول لين: "كانت ديانا تختاز زيا يعكس التواضع والمودة، لحث الناس على معاملتها بطريقة غير رسمية، ولهذا كانت ترتدي ملابس مبهجة عند زيارتها لمستشفيات الأطفال. وأطلقت على فستانها الأزرق المزدان بالأزهار الذي صممه دافيد ساسون عام 1988 "الفستان الحنون" لأن الأطفال أحبوه. ورغم أن دافيد صمم الفستان مع قبعة، فإن ديانا آثرت الاستغناء عنها وقالت 'لن تستطيع أن تحتضن طفلا وأنت ترتدي قبعة'".
وتضيف لين: "إن الإرث الذي خلفته الأميرة ديانا هو القضايا الإنسانية التي ناصرتها والأشخاص الذين أثرت في حياتهم".
لا شك أن الأميرة ديانا كانت نجمة لامعة في عالم الموضة، وبخلاف الياقات المجعدة أو الثياب البراقة، هناك الكثير من الأشياء الأخرى التي ربما سيذكرها بها الناس.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Culture .